الأربعاء، 20 أغسطس 2014

قصة قصيدة ( من روائع التراث العربي )



(قصة قصيدة)
لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في أيّام أبيه عبد الملك ، طاف بالبيت الحرام ، وجهد أنْ يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر على ذلك لكثرة الزحام ، فَنُصب له كرسي و جلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فطاف بالبيت ، فلمّا انتهى إلى الحجر الأسود تنحّى له الناس حتّى استلم الحجر، فقال رجل من أهل الشام لهشام بن عبد الملك : مَن هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟ فقال هشام : لا أعرفه ، مخافة أنْ يرغب فيه أهل الشام.
و كان الشاعر العربي المسلم المعروف الفرزدق حاضراً في ذلك الموقف ، فقال بقوّة و اعتداد أنا أعرفه ، ثم اندفع بهذه القصيدة المشهورة :

هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ  ،   وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ       ،   هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ ،     بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ:مَن هذا؟ بضَائرِه ، العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا    ،   يُسْتَوْكَفانِ ، وَ لا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ ،لا تُخشى بَوَادِرُهُ ، يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ ، إذا افتُدِحُوا  ،   حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال : لا قطُّ ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ    ،     لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ ، فانْقَشَعَتْ  ، عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
إذ رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها :      ،   إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يُغْضِي حَياءً ، وَيُغضَى من مَهابَتِه ،    فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ    ،    من كَفّ أرْوَعَ ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ  ،    رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
الله شَرّفَهُ قِدْماً ، وَعَظّمَهُ       ،     جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ      ،     لأوّلِيّةِ هَذا ، أوْ لَهُ نِعمُ
مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا    ؛     فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ        ،      عَنها الأكفُّ،وعن إدراكِها القَدَمُ
مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ      ؛    وَ فَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ     ،     طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ         ،      كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ ، وَ بُغْضُهُمُ         ،      كُفْرٌ ، وَ قُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ      ،  في كلّ بَدْءٍ ، و َمَختومٌ به الكَلِمُ
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ         ،  أوْ قيل : «مَن خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ  ،   وَ لا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ ، وَ إنْ كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ        ،     وَ الأُسدُ أُسدُ الشّرَى ، وَ البأسُ محتدمُ
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ      ؛     سِيّانِ ذلك : إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
يُستدْفَعُ الشرُّ وَ البَلْوَى بحُبّهِمُ  ،  وَ يُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل ( يارا ) مرعب ؟

تعرف على ( يا را ) 1- ظهور فيروس ( يارا ) الغامض في البرازيل عقب إعلان حالة الطوارئ في العالم بسبب فيروس كورونا تسبب في حالة من القلق ...