(قصة قصيدة)
لمّا حجّ هشام بن عبد
الملك في أيّام أبيه عبد الملك ، طاف بالبيت الحرام ، وجهد أنْ يصل إلى الحجر الأسود
ليستلمه فلم يقدر على ذلك لكثرة الزحام ، فَنُصب له كرسي و جلس عليه ينظر إلى الناس
ومعه جماعة من أعيان الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين
بن عليّ بن أبي طالب فطاف بالبيت ، فلمّا انتهى إلى الحجر الأسود تنحّى له الناس حتّى
استلم الحجر، فقال رجل من أهل الشام لهشام بن عبد الملك : مَن هذا الذي هابه الناس
هذه الهيبة ؟ فقال هشام : لا أعرفه ، مخافة أنْ يرغب فيه أهل الشام.
و كان الشاعر العربي المسلم
المعروف الفرزدق حاضراً في ذلك الموقف ، فقال بقوّة و اعتداد أنا أعرفه ، ثم اندفع
بهذه القصيدة المشهورة :
هَذا
الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ ، وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا
ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ ،
هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا
ابنُ فاطمَةٍ ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ ، بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ
قَوْلُكَ:مَن هذا؟ بضَائرِه ، العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
كِلْتا
يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا ، يُسْتَوْكَفانِ
، وَ لا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ
الخَلِيقَةِ ،لا تُخشى بَوَادِرُهُ ، يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ
أثقالِ أقوَامٍ ، إذا افتُدِحُوا ، حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال
: لا قطُّ ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ ، لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ
البَرِيّةَ بالإحسانِ ، فانْقَشَعَتْ ، عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
إذ رَأتْهُ
قُرَيْشٌ قال قائِلُها : ، إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يُغْضِي
حَياءً ، وَيُغضَى من مَهابَتِه ، فَمَا يُكَلَّمُ
إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
بِكَفّهِ
خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ ، من كَفّ أرْوَعَ ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
يَكادُ
يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ ، رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
الله
شَرّفَهُ قِدْماً ، وَعَظّمَهُ ،
جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
أيُّ
الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ ،
لأوّلِيّةِ هَذا ، أوْ لَهُ نِعمُ
مَن
يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا ؛
فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
يُنمى
إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ ، عَنها الأكفُّ،وعن إدراكِها القَدَمُ
مَنْ
جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ ؛
وَ فَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
مُشْتَقّةٌ
مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ ، طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
يَنْشَقّ
ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ ، كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
من مَعشَرٍ
حُبُّهُمْ دِينٌ ، وَ بُغْضُهُمُ ، كُفْرٌ ، وَ قُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ
بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ ، في كلّ
بَدْءٍ ، و َمَختومٌ به الكَلِمُ
إنْ
عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ ،
أوْ قيل : «مَن خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
لا يَستَطيعُ
جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ ، وَ لا
يُدانِيهِمُ قَوْمٌ ، وَ إنْ كَرُمُوا
هُمُ
الغُيُوثُ ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ ، وَ الأُسدُ
أُسدُ الشّرَى ، وَ البأسُ محتدمُ
لا يُنقِصُ
العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ ؛ سِيّانِ ذلك
: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
يُستدْفَعُ
الشرُّ وَ البَلْوَى بحُبّهِمُ ، وَ يُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق